تؤدي تداعيات وآثار التغير المناخي إلى تطوير النزاعات بين الدول، ومع اشتداد حدة الكوارث الطبيعية والمناخية يجد السكان صعوبة في البقاء، فيضطرون للرحيل ومغادرة بلدانهم المنكوبة، ومن هنا ظهر مصطلح اللجوء المناخي، على غرار اللجوء السياسي، ومع اشتداد حدة التغيرات المناخية فقد تفاقمت أعداد اللاجئين الفارين من بؤر مناخية قاسية، حيث كانوا يفتقرون عادة إلى الموارد التى تجعلهم قادرين على التكيف مع بيئة تزداد قسوة.. في السطور التالية سعينا لاستكشاف معنى اللجوء المناخي وهل تم الاعتراف به رسميا وما هي الدول المرشحة لنزوح سكانها، وذلك من خلال الحوار القادم مع أحمد العطار، الخبير والباحث في شؤون المناخ، وإليكم التفاصيل..
في البداية دعنا نستكشف طبيعة المفهوم.. ما معنى اللجوء المناخي؟
شهدت السنوات الأخيرة بروز مفهوم اللجوء المناخي في المفاوضات الأممية أو في المحافل الدولية المتعلقة بأزمة المناخ أو أزمة تغير المناخ، ومصطلح اللجوء المناخي يشير بشكل أساسي إلى مسألة نزوح الكتل البشرية من بعض المدن أو القرى إلى مناطق أخرى وهو ما يسمى بالنزوح الداخلي، أو إلى دول أخرى وهنا يسمى باللجوء المناخي أو النزوح الخارجي، وذلك لأسباب مرتبطة بتغير المناخ وبالكوارث الناجمة عن الطقس المتطرف مثل الفيضانات أو موجات الجفاف الشديدة والتي تؤدي لأزمات خاصة بالأراضي الزراعية، وفقدان السكان لسبل عيشهم، أيضًا التغير في أنماط هطول الأمطار، فبعض المناطق تشهد شُحا أو ندرة في الأمطار لأسباب طبيعية يفاقمها تغير المناخ، وهو ما يؤثر على السكان المحليين ويدفعهم دفعا نحو الهجرة أو النزوح من أماكنهم سواء داخليا أو خارجيا.
ما مدى الاعتراف الرسمي به على المستوى الدولي؟ وهل هناك إحصائيات تكشف عن عدد اللاجئين مناخيا سنويا؟
رغم انتشاره بكثرة في الفترة الأخيرة، إلا أنه لايزال هناك بعض اللغط والجدل الخاص بقانونيته أو اعتراف المجتمع الدولي به، وحتى اللحظة لا يوجد تقنين رسمي للمصطلح، ومن ناحية أخرى فإن بعض الدراسات تناولت اللجوء المناخي فيما يتعلق بأعداده المتوقعة بالنزوح أو الهجرة خلال ال سواء السنوات ال إللي فاتت أو السنوات القادمة، لكن أكثر الأرقام صدقًا هو أن هناك 40 مليون شخص تركوا اماكنهم بسبب الكوارث المناخي خلال عام 2020. وهذا الرقم صادر عن مركز مراقبة النزوح الداخلي، وهو أحد الأرقام المهمة التي يُشار إليها عند الحديث عن تفاقم اللجوء المناخي، أيضا هناك معدلات متوقعة تشير إلى أنه في 2050، سيصل عدد النازحين مناخيا إلى 250 مليون شخص حول العالم، حيث سيضرون لمغادرة بلدناهم بحثا عن ملاذ آمن، ومن المعروف أن بعض الكوارث الطبيعية ينتج عنها نزاعات وصراعات مسلحة، مثل الكاميرون حيث كانت تعاني من نزاع مسلح بين قبيلتين استمر لفترة طويلة للصراع على المياه والموارد.
ما أكثر المناطق أو الدول المرشحة بشدة للنزوح المناخي؟
طبعا هناك العديد من الدول والمناطق في العالم تشهد هجرات وعمليات نزوح بسبب آثار تغير المناخ منها على سبيل المثال مناطق بأستراليا وأفريقيا وآسيا، لكن تغير المناخ غير مرتبط بمنطقة معينة أو بقارة معينة أو بدولة محددة، فهناك بعض المناطق ستكون متأثرة بشكل أكبر من آثار تغير المناخ مثل المدن الساحلية، والتي تعاني من ارتفاع مستوى سطح البحر مما يؤدي إلى حدوث فيضانات كارثية فضلا عن تملح التربة وفقدان البقعة الزراعية، فهذه الأماكن تكون أكثر عرضة لآثار تغير المناخ وأكثر عرضة لهجرة سكانها، أيضا المناطق التي تتعرض للجفاف الشديد هي مناطق أكثر عرضة لنزوح السكان منها إلى مناطق أخرى، فعلى سبيل المثال الصومال عانت من جفاف كارثي لسنوات طويلة، تسبب في أزمة غذائية كبرى، وجوع شديد لأكثر من 2 مليون شخص، وتحول النزاع بسبب الجفاف إلى صراع مسلح أيضا، ونتج عنه هجرة العديد من الأشخاص أو إعادة توطينهم في أماكن أخرى، ولذلك نستطيع أن نقول إن شرق أفريقيا من أكثر المناطق المعرضة للأزمات المناخية وتحديدًا الجفاف وشح الأمطار، فهذه المنطقة من أكثر المناطق التي تشهد هجرات مرتبطة بتغير المناخ فضلا عن النزاعات المسلحة.
ماذا عن قارة آسيا التي تشهد هي الأخرى كوارث مناخية عنيفة في السنوات الأخيرة؟
هناك مناطق في آسيا بالفعل مُعرضة بشدة لآثار تغير المناخ، وتشهد أعدادًا كبيرة من النازحين والمهاجرين سنويًا بسبب آثار الطقس المتطرف، هذه المناطق في الغالب تكون في نطاق شرق وجنوب آسيا، وهناك دراسة صادرة عن مرصد أو مركز رصد النزوح الداخلي تقول إنه حتى الآن هناك 376 مليون شخص نزحوا داخليا حول العالم بسبب الكوارث المناخية والطبيعية في السنوات الأخيرة منهم 32 مليون تقريبا نزحوا خلال 2022، ونصيب آسيا من هذه الأرقام كبير للغاية مع الأسف، والمؤكد أن هذه الأرقام مرشحة للزيادة باستمرار.
هل هناك مساعي دولي للاعتراف باللجوء المناخي وضمان حقوق اللاجئين لهذا السبب؟
بالفعل، هناك مطالبات واسعة من قطاعات متنوعة من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة والمناخ للاعتراف باللجوء المناخي، وأن تكون هناك طلبات لجوء رسمية بسبب الكوارث المناخية والكوارث الطبيعية، وفي سبتمبر 2021 تقريبا دعت الأمم المتحدة على لسان مفوضة حقوق الإنسان وقتها ميشيل باشليه، إلى وضع الظروف البيئية كسبب من أسباب قبول طلبات اللجوء، وهذه كانت أول دعوة رسمية من الأمم المتحدة، ويتضمن هذا الأمر قبول طلبات اللجوء بسبب آثار أو أزمة المناخ أو التلوث وغيرها من الآثار المدمرة في جميع أنحاء العالم، أيضا كان عندنا حكم تاريخي من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 2020، وقد أكد على أن الحكومات والدول مطالبون بالأخذ بعين الاعتبار مسألة التغير المناخي قبل قرار ترحيل طالبي اللجوء، وهذا يعزز مسألة اللجوء بسبب تغير المناخ في المستقبل.
هل يمكن أن تكون هناك اتفاقيات دولية أو قوانين منظمة للجوء المناخي؟
هناك فقط اتفاقية اللاجئين التي صدرت سنة 1951، لكنها لا تشمل أي شيء يتعلق باللاجئين بسبب المناخ، فقط تتحدث عن اللجوء بسبب الاضطهاد، سواء هذا الاضطهاد كان سياسيا أو دينيا أو عرقيا أو ما إلى ذلك، لكن لم تذكر أبدا مسألة المناخ، ولم يحدث أي تغيير في هذا الأمر حتى هذه اللحظة، لكن المناقشات أو الجدل حول اللجوء المناخي بدأ يظهر في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بالتغير المناخ والمعروفة بـ “كوب 24” عام 2016، ومنذ ذلك الحين بدأت قضية اللجوء المناخي تطرح نفسها بشدة على أجندة مؤتمرات الأطراف التي تناقش أزمة تغير المناخ الدولية، وفي سبتمبر 2021، دعت الأمم المتحدة لأول مرة على لسان مفوضة حقوق الإنسان لوضع الظروف المناخية كسبب من أسباب قبول طلبات اللجوء بعد تفاقم الآثار المدمرة لأزمة المناخ وتأثيرها على حقوق الإنسان في بعض المناطق، وهناك بعض الدول التي تستقبل طلبات اللجوء إليها تعتبر الأزمات المناخية ضمن الأزمات أو الكوارث التي تعرض الأشخاص للخطر، فتوافق على هذه الطلبات، وممكن إنها ترفض هذه الطلبات، على اعتبار أن كان يمكن لهؤلاء الأشخاص أن ينتقلوا إلى مكان أكثر أمانا أو خاليًا من الكوارث داخل نفس الدولة، لكن مثلا لو أن هذه الأزمات أو هذه الكوارث المناخية تسببت في صراعات وفي حروب واقتتال داخلي مثلا، هنا ستكون فرص طالب اللجوء أقوى. وبالتالي فالأمور تختلف حسب وضع الحالة، وحسب ظروف الدولة، يعني لو افترضنا أن شخصًا جاء من باكستان ليطلب اللجوء في أوروبا بسبب كارثة مناخية فمن المؤكد أنه سيتم رفض طلبه لأنه يستطيع أن ينتقل إلى مقاطعة أخرى أكثر أمانا داخل الدولة.
ما أكثر الدول التي ترحب باللجوء إليها؟
لا يوجد دول تقبل وأخرى ترفض، فالمفروض أن الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللجوء عموما ملزمة باستقبال اللاجئين ومناقشة طلباتهم، وقبول هذه الطلبات عندما تستوفي الشروط، وفي قارة آسيا سنجد أن الهند والصين والفلبين من الدول التي تستقبل عددا كبيرا من اللاجئين الهاربين من الكوارث المناخية. كما أننا لو تكلمنا عن أفريقيا سنجد أن عدد النازحين بفعل المناخ وصل إلى 7 ملايين نازح في 2022، والولايات المتحدة الأمريكية شهدت نزوح ما يقرب من مليون شخص بسبب المناخ، وكذلك أستراليا تستقبل النازحين المناخيين، وكان هناك اتفاق بينها وبين دولة جزرية صغيرة اسمها توفالو تقع في المحيط ال الهادي وهي إحدى الدول التي تتأثر بشدة بسبب تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، وكان هدف الاتفاق أن تستقبل أستراليا اللاجئين من هذه الدولة بسبب المناخ.