الدكتور أحمد سليمان، تخرج في هندسة شبرا الخيمة بجامعة بنها، عام 2009 من قسم الاتصالات والتكنولوجيا، ثم تم تعيينه في وزارة الكهرباء، وبعدها بدأ العمل في الأبحاث العلمية، وحاول تطبيق هذه الأبحاث داخل إحدى محطات الكهرباء فرفض المسئولون، بحجة أنه موظف ولا مجال لتطبيق أبحاث علمية، ونصحه رئيس الشركة في ذلك الوقت بتقديم استقالته، وبعد البحث الطويل والشاق، واصل أبحاثه في المركز القومي للبحوث، ثم قادته الصدف السعيدة إلى جامعة زويل، ومنها إلى جامعة “كالتك” حيث واصل رحلته العلمية تحت إشراف الدكتور أحمد زويل، رحمه الله، لهذا توصف رحلة “سليمان” بالمحطات الفارقة والتي نادرا ما تتكرر.. في السطور التالية ننفرد معه بهذا الحوار والذي أجريناه معه من مقر إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية.
مشوارك العلمي مليء بالمحطات الفارقة.. كيف كانت بداية الرحلة؟ وما هي نقطة التحول الحاسمة؟
أنا إنسان بسيط لدي طموح والكثير من الأحلام، نشأت وسط أسرة مصرية ميسورة الحال من مدينة بهتيم بشبرا الخيمة، وحصلت على درجة البكالوريوس من كلية الهندسة بشبرا، ثم حصلت على درجة الماجستير من جامعة عين شمس، وقد مررت بالكثير من مراحل الفشل والمحاولات، ثم درست بجامعة زويل، حتى تقدمت للحصول على منحة دراسية عام 2015 بجامعة كالتك، وهي الجامعة الأولى عالمياً في مجال العلوم، وكانت تلك هي نقطة التحول، فبعد أن التحقت بجامعة كالتك، كان لي نصيب أن أقترب من الدكتور أحمد زويل لمدة عامين قبل وفاته، وقد تأثرت جدا به، وهو السبب الرئيسي في تحولي لدراسة العلوم رغم أنني خريج الهندسة.
كيف كانت علاقتك بزويل؟ وما أهم الدروس التي تعلمتها منه؟
كانت علاقتي طيبة للغاية بالدكتور زويل منذ أول يوم لي بجامعة “كالتاك”، وكان فخورًا بي للغاية، وكان يحكي لي أنه تعب كثيرا حيث حصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا، ثم جاء إلى هذه الجامعة، وعمل بها حتى آخر حياته، وبالتالي كان يشعر بسعادة غامرة عندما يرى شابا مصريا جاء من مصر مباشرة إلى هذه الجامعة الأولى في العلوم عالميا، والتي تضم نحو 30 عالما من الحاصلين على جائزة نوبل، وكان يرشدني ويوجهني خاصة وإنه حدثت لي صدمة ثقافية، لأنني حضرت إلى هذه الجامعة من مصر مباشرة دون تمهيد، فالبيئة مختلفة، والنظام التعليمي مختلف، وقابلتني تحديات كبيرة جدا، لكن د. زويل كان له دور وكان ينصحني حتى تخطيت هذه التحديات، كما كان فخورا بي لأنني جئت من جامعة زويل إلى كالتاك رغم أنني مكثت في جامعة زويل 6 أشهر فقط. والحقيقة أنني تعلمت منه أشياء كثيرة وجميلة، ويكفي أنه جعلني أحضر مع الطلبة قبل التخرج بخلاف حضوري مع طلاب الدراسات العليا أو الدكتوراه، حتى أفهم بدايات العلم بمنظور فيزيائي، وكنت أنتظره في الجراج بجوار سيارته حتى ينتهي من عمله بالمعمل حتى أقف معه، وكنت حزينا جدا، وأجلس أشتكي له فكان يقول لي هذا طبيعي جدا، حيث كتب في “عصر العلم” أنه عندما جاء إلى هنا كان نفسه يرجع مصر خاصة عندما رأى علماء نوبل وشعر أنه لن يستطيع أن يقدم شيئا، لكنه علمني الإصرار حتى أحقق حلمي تماما مثلما فعل. أيضا تعلمت منه أسس العلم فيما بعد الهندسة، خاصة وإنني خريج كلية الهندسة بشبرا، جامعة بنها، ثم حصلت على الماجستير من كلية الهندسة جامعة عين شمس، ولكن فى 2015 تم قبولى كباحث دكتوارة فى جامعة “كالتك” فحصلت خلالها على الماجستير للمرة الثانية فى العلوم منها، ثم أكملت أبحاثى هناك إلى الآن فى قسم الهندسة وتطبيقات العلوم.
مكتب د. زويل في جامعة كالتك.. كيف يمكن أن تصفه لنا؟ وكيف كانت طقوسه اليومية في هذا المكان؟ وما أبرز الأشياء التي كانت تلفت نظرك به؟
كان مكتب د. زويل بسيطا للغاية، حيث كان يُزينه بالرسومات الفرعونية، وكان صوت أم كلثوم يصدح منه كل صباح، فكان مكتبا مصريا أصيلا في بقعة أمريكية مؤثرة في هذا العالم، وكان يعتز بالحضارة المصرية، وكان يعتز بالتراث المصري، وعندما جئت إلى الجامعة لأول مرة، ذهبت لمكتب مجاور له يخص د. أدولف ماركوس الحاصل على نوبل عام 1992، وكان أول انطباع له عن زويل أنه رجل مصري نشيط. والحقيقة لا أعرف مصير مكتبه، لكن هناك عالم آخر يجلس مكانه ولكن بمشروعات بحثية جديدة. وعندما ندخل معمله في مبني كالتاك لايزال هناك صورة موجودة له ومعلقة على الجدران، وهناك غرفة تضم تراثه وجزء منها عاد لزوجته وأولاده، لكنه ترك تراثا علميا كبيرا في كافة الدوريات الكبرى، وهذا هو الأهم.
حدثني عن نشاطك العلمي في وكالة ناسا.. ما الدور الذي تقوم به ضمن الفريق العلمي الذي قيل إنه مرشح لنيل جائزة نوبل؟
أنا الباحث العربي الوحيد بوكالة ناسا وجامعة “كالتك” ضمن فريق “بايسيب كيك” الذي يُعد أكبر الفرق البحثية في مجال الفيزياء الفلكية التي تستهدف كشف أسرار اللحظات الأولى من عمر الكون، حيث أشارك في مشروع “البحث عن نشأة الكون” بالقطب الجنوبي، حيث يعتبر القطب الجنوبي هو أنسب مكان لرصد أول ضوء نشأ في الكون منذ ما يقرب من 14 مليار سنة بدقة كبيرة مقارنةً بأي موقع آخر في الأرض، لما يمتاز به من برودة شديدة وجفاف وطبقات الغلاف الجوي التي تسمح لهذا الضوء بالمرور بسرعة أكبر عند ترددات زمنية معينة، وهذا الضوء يحتوي على معلومات مثل الجاذبية التضخمية المتوقع أن تكون نشأت مع عمر الكون، بعد جزء بسيط جداً من الثانية إثر الانفجار العظيم، وهي تسهم في الإجابة عن أسئلة كثيرة تفسر بداية الكون.
دراساتك حول نشأة الكون في “القطب الجنوبي” أعطتك الفرصة للحياة على أطراف العالم.. كيف تبدو تفاصيل الحياة هناك؟
الحياة في القطب الجنوبي لا أحد يمكنه أن يصفها، ففي خلال الفترة التي ذهبت إلى هناك، كان النهار مستمرا طوال اليوم، فقد ذهب في فترة النهار الدائم، بمعنى 24 ساعة شمس، لمدة 4 شهور تقريبا، فضلا عن البرودة الشديدة التي تصل إلى سالب 60 وسالب 65 تحت الصفر، وطبيعة الحياة أن أذهب للمعمل كل يوم، وكنا نقوم بمسابقات جري كل يوم أيضا، فكانت رحلة ممتعة جدا، وكما ذكرت سابقا فإن كوكب الأرض أشبه بحبة رمل وسط صحراء كبيرة لا يعلم مداها إلا الله، فالحياة هناك غريبة جدا، مشهد السماء نفسها مختلفا، حتى سلاسل جبال “إيرابيس” تبدو وكأنها تعانق الفضاء، حتى الكائنات التي هناك، أذكر مثلا أنني نزلت في أنبوب على عمق 12 مترا تحت سطح القطب حيث انتهينا إلى غرفة زجاجية لأشاهد وحوش البحر وهي تصدر أصواتا غير مفهومة وكأنها تسبح الله سبحانه وتعالى، كما أنني أول مصري يزور منزل المستكشف البريطاني روبرت فالكون سكوت، وهو أول منزل بُني في القارة القطبية الجنوبية عام 1902، وقد نشر الفريق العلمي الخاص بالبحث جزءًا كبيرًا من النتائج العلمية لهذه الرحلة مؤخرًا في مجلات علمية مرموقة مثل “فيزيكال رفيو ليتر” و”أستروفيزيكس جورنال”.
ما أحدث النتائج التي توصلتم إليها من خلال تليسكوب رصد اللحظات الأولى من نشأة الكون وبداية الزمن في القطب الجنوبي؟
التليسكوب الذي يتم استخدامه في هذا البحث يعمل على تفسير العديد من الظواهر التي ليس لها تفسير بعد وذلك من خلال ما يعرف بنظرية الانفجار العظيم والتي تعد أكثر النظريات تصديقاً بين العلماء عن نشأة الكون عبر ملايين السنين، فمن خلال هذا التليسكوب نحاول رصد اللحظات الأولي للكون بعد الانفجار العظيم قبل ما يقرب من 14 مليار سنة، وهذا التليسكوب تم بناؤه وتصميمه من قبل المؤسسة الأمريكية الوطنية للعلوم ووكالة ناسا، وذلك بمشاركة العديد من الجامعات الأمريكية.
وماذا عن دراسة الدكتوراه الخاصة بك؟
تناولت في أطروحة الدكتوراه تصميم وتطوير التكنولوجيا المستخدمة في تلسكوب “كالتك” ووكالة ناسا ونقله إلى القطب الجنوبي لرصد ودراسة فيزياء بداية الكون خلال وضع خواص فيزيائية دقيقة لقياسات موجات الجاذبية التضخمية أو البدائية المتوقع تولدها من الانفجار الكوني المسمى “كوزميك إنفليشن” من بداية الكون، وبعدها انضممت إلى مختبر الدفع النفاث التابع لناسا كعالِم مشارك وباحث ما بعد الدكتوراة، وحصلت على ميدالية من مركز البحوث الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ما رأيك في واقع البحث العلمي في مصر؟
لدينا عقول مصرية عظيمة ينقصها تمويل أفكارها العلمية، إن توفير ميزانية أكبر للبحث العلمي سيساعد على شراء أحدث الأجهزة العلمية وتوفير المناخ المناسب للبحث والإبداع، وسيدفع مصر نحو بلوغ مكانة بارزة بين الكبار في المجالات العلمية المختلفة.