في عالم يشهد تغيرات متسارعة ومستقبل يحمل في طياته الكثير من المجهول، ألقت دراسة حديثة الضوء على إمكانية عودة القارات إلى وضعها القديم وهي قارة “بانجيا” العملاقة مرة أخرى وهذه الفكرة قد تبدو خيالية، ولكن تتناول الدراسة بأدلة ونماذج علمية توضح كيف يمكن أن تؤدي الحركات البطيئة والثابتة للأرض إلى إعادة تشكيل خريطة العالم.
وتتمثل بعض هذه الأدلة في: التطابق الجغرافي، وهو الشكل المتطابق لحواف القارات خاصة المطلة على المحيط الأطلسي. وأيضاً السحل الصخري، وهو وجود صخور متشابهة وتكوينات جيولوجية على حواف قارات مختلفة، وذلك يدعم فكرة أن هذه القارات كانت متجاورة. بالإضافة إلى الحفريات، وذلك لأن العثور على حفريات متشابهة في قارات متباعدة اليوم يدل على أن هذه القارات كانت متصلة في السابق.
وتنبأت دراسة عمل عليها مجموعة علماء من جامعة بريستول في المملكة المتحدة، بعد استخدامهم أول نماذج مناخية حاسوبية عملاقة للمستقبل البعيد، باشتداد الظواهر المناخية المتطرفة بعد اندماج قارات العالم، لتشكل قارة عملاقة واحدة “بانجيا” وتعني الكل أو الأرض باللغة الإغريقية، بعد حوالي 250 مليون سنة.
وأشار تقرير دعمته الأمم المتحدة، العام الماضي، إلى أن مليارات البشر والأنواع الأخرى من الكائنات ستصل إلى نقاط لم يعد بإمكانهم التكيف فيها مع تغير المناخ على الأرض، ما لم تتباطأ ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل كبير، وهو أمر لم يحرز فيه العالم تقدًما حتى اللحظة.
وبعد أن قام العلماء بمحاكاة اتجاهات درجات الحرارة والرياح والأمطار والرطوبة في القارة العملاقة المنتظرة، توصلوا إلى أن الجو سيكون حارًا للغاية وجافًا وغير صالح للسكن تقريبًا بالنسبة للبشر والثدييات، التي لم تتطور للتعامل مع التعرض لفترات طويلة للحرارة المفرطة، ولبلوغ هذه النتائج استخدم القائمون على الدراسة نماذج لحركة الصفائح التكتونية، وكيمياء المحيطات وعلم الأحياء لحساب مستويات ثاني أكسيد الكربون.
ووفق ورقة بحثية نشرتها مجلة “ناتيورال جيوساينس”، فإن تكوين “بانجيا” سيؤدي إلى ثورانات بركانية أكثر انتظامًا، والتي بدورها ستسمح بإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، وعلى الجانب الآخر ستلعب الشمس التي ستصبح حينها أكثر إشراقا، دورًا في ارتفاع حرارة الأرض بشكل كبير حيث ستنبعث منها المزيد من الطاقة.
وقال ألكسندر فارنسورث، كبير الباحثين المشاركين في جامعة بريستول وقائد فريق الورقة البحثية، في بيان: “إن القارة العملاقة الناشئة حديثًا ستخلق بشكل فعال ضربة ثلاثية تشمل تأثير القارية، والشمس الأكثر سخونة، والمزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي”.
ونبه فارنسورث أن من شأن درجات الحرارة الواسعة النطاق التي تسجلها أغلب بلدان العالم هذا العام، تحديد مصير سكان الكوكب في النهاية. وأضاف أن البشر – إلى جانب العديد من الأنواع الأخرى – سوف يموتون بسبب عدم قدرتهم على التخلص من هذه الحرارة”.