رحلة البحث عن الحياة خارج الأرض.. 8 أشهر يقطعها المسافرون إلى المريخ

تحقيق: دنيا محمد

الفضاء هو ساحة تنافسية للتكنولوجيا المتطورة بين دول العالم، حيث تتصادم الأيديولوجيات المتنافسة لعرض براعتها التكنولوجية تحت أعين العالم المترقبة، لهذا لم يكن غريبًا أن تسجل الاستثمارات في مجال الفضاء قفزة هائلة جداً خلال السنوات الخمس الأخيرة، في مؤشر واضح على أن البشرية بدأت سباقاً محموماً من أجل مغادرة كوكب الأرض والوصول إلى بديل في الفضاء الخارجي، كما أنه يسود الاعتقاد بأن المستقبل سوف يكون للاستثمارات في مجالات الفضاء والفلك والتي ستحقق أرباحاً مالية ضخمة.. في السطور القادمة سنحملكم في رحلة مكوكية لنرى معًا كيف سيكون غزو الفضاء في المستقبل القريب؟ وما هي الصعوبات والتحديات التكنولوجية التي تحول دون انتقال البشر إلى الكواكب الأخرى؟

من المؤكد، أن التكنولوجيا تطورت بشكل هائل وتوسعت حدود البشرية إلى الفضاء الخارجي بشكل لم نكن نحلم به من قبل. في هذه الفترة، يمكن أن نتخيل مقدمة ملحمية لغزو الفضاء، حيث يُعتبر الفضاء بمثابة محطة لاستكشاف العوالم الجديدة ومصدر للتقدم العلمي والتكنولوجي، ولهذا يصبح من واجبنا أن نطرح الأسئلة القادمة: كيف يمكن أن تتطور التكنولوجيا لتمكين وجود المستوطنات البشرية على المريخ؟ وهل سيتمكن البشر في هذا العصر من السفر إلى كواكب أخرى والاستفادة من مواردها؟ ما هي التحديات التقنية في تصميم سفن الفضاء لضمان سلامة وراحة الركاب؟ هل هناك ابتكارات حديثة في تقنيات الدفع تسهم في تحسين أداء سفن الفضاء لنقل البشر؟ هل هناك تعاون دولي في مجال إقامة المستوطنات على المريخ، أم كل دولة تعمل بشكل مستقل؟

بالتأكيد سيفتح غزو الفضاء أفقًا جديدًا للمغامرات والاكتشافات. ومع ذلك، قد تواجه البشرية تحديات كبيرة في هذه الرحلة، مثل التأقلم مع بيئات غير مألوفة وضبط التوازن بين استغلال الموارد والحفاظ على التنوع البيولوجي.

سفن الفضاء

ويكشف الدكتور علي قطب، أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق، عن حجم التحديات التقنية في تصميم سفن الفضاء لضمان سلامة وراحة الركاب، قائلًا: إن العلم دائمًا يبحث في كل ما هو جديد عن الفضاء، وكما هو متعارف عليه فإن الكرة الأرضية لها غلاف جوي والغلاف الجوي يمتد لأكثر من ألف كيلومتر، ولكن هناك ما يسمى بالخط الوهمي، حيث يقال إن الفضاء يبدأ من عنده، والغلاف الجوي عادة ما يكون مليئًا بالغازات الخفيفة، وتختلف فيه درجات الحرارة كلما ارتفعنا إلى طبقة “الثيرموسفير”، وهو ما يستلزم أن تكون هناك حماية  لسفن الفضاء من مخاطر الاحتراق. وتعتمد سلامة وراحة الركاب على سفينة الفضاء من الداخل، لأن السفينة تتكون من أجزاء، والجزء الذي يطلق السفينة هو الصاروخ والصاروخ يحتوي على مواد صلبة تدفع السفينة إلى ارتفاعات بعيدة جدا، ويسير الصاروخ بسرعة عالية لتحاشي الجاذبية الأرضية، وتضم سفينة الفضاء مساحة صغيرة من الداخل، يجلس فيها رواد الفضاء، حيث يجدون ما يكفيهم من طعام وشراب وأكسجين.

وأضاف قطب أنه يمكن تحسين نظم الحماية من الإشعاعات في سفن الفضاء لحماية البشر خلال رحلتهم الطويلة في الفضاء، وهي جميعها إشعاعات شمسية تضم إشعاعات كهرومغناطيسية وإشعاعات كهربية وعواصف شمسية تحدث أيضا، فبالتالي هذا يتم دراسته جيدًا في تجهيز سفن الفضاء للحماية من هذه الإشعاعات، خاصة إذا كانت إشعاعات قصيرة المدى أو طويلة المدى، والإشعاعات قصيرة المدى من الممكن أن تنفذ في داخل سفن الفضاء ولكن حتى الآن البناء الكامل لسفن الفضاء والتقنيات الحديثة  تقلل أو تمنع من وصول هذه  الإشعاعات قصيرة  المدى داخل سفن الفضاء.

المستعمرات

وأشار قطب إلى أن هناك تطورات في استخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث تختلف طموحات العلماء الآن بالخروج من كوكب الأرض الذي يشهد حياة مؤلمة من مشاهد الحروب والتلوث والإشعاعات النووية، والانخفاض الكبير في الغذاء العالمي، وزيادة كبيرة في تعداد السكان، ولكن حتى الآن لم يتم إنشاء مستعمرات بشرية في الفضاء، حيث إن التحديات التي تواجه البشر في ذلك لا تزال صعبة.

وتابع أن هذا معناه أنه لاتزال الطموحات قائمة للانتقال إلى الفضاء، لكن حتى الآن أقصى ما يفعله رواد الفضاء أن يخرجوا من سفينة الفضاء لمدة دقائق معدودة ثم الدخول إلى السفينة مرة أخرى، وحتى في أثناء الخروج يجب أن يرتدوا أجهزة معينة تمكنهم من التنفس لهذه الفترة الزمنية القصيرة، والحقيقة أن القضاء يشكل بيئة غير صالحة للبشر، لأن درجات الحرارة ترتفع بعد 100 كم ارتفاعات كبيرة جدا، وبالتالي درجة الحرارة والبيئة نفسها غير ملائمة للزراعة أو إنشاء مستعمرات في هذا الفضاء المختلف عن بيئة الإنسان، ومن هنا فإنه مستحيل بكل المقاييس إقامة مستعمرات بشرية في هذا الواقع.

مستوطنات المريخ

أما الدكتور محمد القوصي، رئيس وكالة الفضاء المصرية، فيقول إن أي حلم يمكن أن يصبح حقيقة، إذا كان قابلاً للتنفيذ والحلم هنا هو بناء مستوطنة على كوكب المريخ، وقد بدأت التجارب والمشاريع الفضائية لمحاولة التعرف على سطح المريخ، والغلاف المحيط به، لأنه لا يمكن إرسال كائن حي إليه دون معرفة هل يمكن أن يعيش هذا الكائن أم لا، وهذا ما تم من قبل، حين تم إرسال أول إنسان إلى سطح القمر، وهو الأمريكى نيل آرم أسترونج عام 1969، لذا فقد  أنجزت دولة الإمارات العربية بنجاح مشروع “مسبار الأمل”، وذلك بإرسال مركبة فضائية تدور حول المريخ ومزودة بمجموعة كاميرات لتلتقط  صورا لسطحه وترسلها إلى محطات الاستقبال على الأرض ليقوم العلماء وخاصة الجيولوجيون بتحليل هذه الصور ومعرفة طبيعة تربة الأرض على سطح الكوكب.

روبوت رائد فضاء

وتابع أن هناك أبحاثًا تتم لإرسال إنسان آلي إلى المريخ، لأخذ عينات من التربة، وطبعا هذه الأبحاث ليست سهلة ومكلفة حيث تستغرق الرحلة إلى المريخ سبعة شهور وتعمل الإمارات العربية المتحدة على مشروع لإقامة مستعمرة على المريخ بحلول عام2117 رغم الصعوبات المعلنة، والمتمثلة في طول زمن الرحلة وعدم المعرفة الكاملة بطبيعة سطح المريخ مما يجعل هبوط مركبة آلية عليه معرضة للتحطم، وبالطبع توجد صعوبات تكنولوجية لا تعلن عنها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، إلا بعد حلها خوفا من معرفة دول أخرى بها، والتكنولوجيات التي تطورت ولا يزال العمل جاريا على تطويرها للتمكن من دراسة كوكب المريخ وإرسال رحلات مأهولة إليه هى تكنولوجيات الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المواد وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد بواسطة الكاميرات والمستشعرات والتكنولوجيا الخاصة بحركة المركبات التى يتم إنزالها على سطح المريخ، وأيضا تكنولوجيا الصواريخ الحاملة للمركبات الفضائية.

وذكر القوصي أن حتى الآن لا توجد معلومات واضحة عن طبيعة الثروات الطبيعية الموجودة على سطح المريخ، وهل توجد مياه على سطحه، وكيف يتم تأمين الطعام والمياه والهواء للمستوطنين على المريخ؟ حيث إنه لا توجد إجابة محددة لهذا السؤال فى الوقت الحالي، لأن الأبحاث والمشاريع الفضائية لاتزال تبحث عن إعطاء إجابة واقعية وعملية لهذه الأسئلة.

إقامة مؤقتة

ويشير القوصي إلى أن الفضاء الخارجي يوجد به سفينتان يذهب إليهما رواد الفضاء، الأولى هي محطة الفضاء الدولية، وهذه هي أكبر جسم موجود فى الفضاء الخارجي، ويبلغ طولها 109 أمتار ووزنها حوالي 400  طن، وبدأ العمل بها عام ٢٠٠٠ وهي تدور حول الأرض على بعد 400 كم، ويصعد إليها رواد الفضاء، ويعيشون بداخلها لمدد تصل إلى 350 يوما  بالنسبة للرجال و229 يوما بالنسبة لرائدات الفضاء، ويقومون بإجراء التجارب داخلها، وهي مملوكة لأربع دول: أمريكا وكندا واليابان وروسيا ووكالة الفضاء الأوروبية، والسفينة الثانية هي محطة الفضاء الصينية واسمها “تيانجونج” وأطلقتها الصين عام 2021 وتدور حول الأرض على ارتفاع 400 km وتسع لثلاثة رواد فضاء ويصل حجمها إلى خمس حجم محطة الفضاء الدولية، والتى تتسع لعدد ستة رواد فضاء. ولم يتم الإعلان عن إطلاق محطات فضاء جديدة، وظهرت مؤخرا رحلات فضائية إلى الفضاء الخارجي للبقاء فيه لمدة دقائق داخل كبسولة لمعايشة حالة انعدام الوزن التى يعيش فيها رواد الفضاء ويتم إطلاق الكبسولة بواسطة صاروخ لتدور حول الأرض ثم يتم استعادتها بمن فيها، وكان أول من قام بهذه الرحلة الملياردير الأمريكى جيف بيزوس صاحب مؤسسة أمازون الشهيرة وكان معه أربعة آخرون منهم سيدة كانت رائدة فضاء، وكان عمرها عند الرحلة 84 عاما.

رحلة إلى الكوكب الأحمر

ويقول الدكتور شادي حسين الشافعي، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لتطبيقات الفضاء والاستشعار عن بعد: تستغرق الرحلة في اتجاه واحد إلى المريخ من 6 إلى 8 أشهر، بالإضافة إلى أن النافذة الزمنية للرحلة مفتوحة مرة واحدة فقط كل 26 شهرًا. هذا يجعل إرسال مهام الدعم أو الموارد إلى مستعمرة أمرًا صعبا للغاية، خاصة في حالات الطوارئ.

وأضاف أنه ليس لدى البشرية الكثير من الخبرة فيما يتعلق بإرسال مركبة فضائية مليئة بالناس، لذلك لا تزال هناك حاجة إلى الكثير من الأبحاث والأهم من ذلك التجارب في هذا الصدد فيما يتصل بصحة وحالة سفن الفضاء إلى ظروف الحياة البشرية البعيدة، وأفضل دراسة حالية في هذا الصدد هي تجربة توأم الفضاء التي أجرتها ناسا، حيث ظل أحدهما على الأرض والآخر أُرسل على محطة الفضاء الدولية لمدة 340 يوما وهو ضعف الوقت الذي يستغرقه السفر إلى المريخ، ولكن رحلة كاملة في اتجاهين على المريخ سوف يستغرق أكثر من ذلك بكثير.

وأشار إلى أن الوضع الحالي يستكشف العديد من البعثات المريخ كل يوم، ونتيجة لذلك جمعت ناسا خريطة كاملة للمريخ تجمع بين البيانات من المركبات الجوالة ومن أقمار الاستشعار عن بعد المرسلة إلى الكوكب، لدرجة أنه تمت تسمية الوديان والحفر والمناظر الطبيعية للمريخ.

Scroll to Top