على الرغم من الاحتمالات الهائلة لقدرة العلاج الجيني على علاج مجموعة كبيرة من الأمراض والاضطرابات الموروثة وأنواع معينة من العدوى الفيروسية – مثل الإيدز والسرطان والتليف الكيسي والسكر وأمراض القلب والهيموفيليا (نزف الدم الوراثي) – يعمل العلماء على تطوير علاجات أخرى؛ لأنه لا يزال محصورًا في التجارب السريرية فقط إلى حين إثبات أنه آمن.. لذلك ألقت “تليسكوب” الضوء على التعرف على الثورة التي أحدثها التعديل الجيني والعلاج بالجينات في السنوات الأخيرة ومعرفة مدى تقبلها في المجتمعات؟ وهل يمكن استخدام التعديل الجيني لعلاج بعض الأمراض؟ وذلك من خلال هذا الحوار التالي مع الدكتور هيثم شعبان، مدير الأبحاث بكلية الطب جامعة جنيف ورئيس مشروع بحثى فى مركز أجورا لأبحاث السرطان بسويسرا، عن بحوثه لتطوير ميكروسكوب رقمى لرصد التفاعلات اللحظية للمادة الوراثية داخل الخلية، والذى يعد مستقبل الطب فى العقود المقبلة، كأحد أهم آليات التشخيص المبكر للأورام باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى والميكروسكوب الضوئى .. وإليكم نص الحوار: –
في البداية سألته.. ما هو العلاج الجيني؟
العلاج الجيني هو أسلوب أو تكنيك نستخدم فيه الجين أو الجينات لعلاج مرض أو اضطراب طبي أو للوقاية، وفي كثير من الأحيان يعمل العلاج الجيني عن طريق إضافة نسخة جديدة من جين تم إتلافه أو كسره أو جين معيوب نستبدله بنسخة صحيحة من ذلك الجين، يمكن أن نقول إن العلاج الجيني هو طريقة مباشرة لعلاج الحالات الوراثية، وهناك طرق أخرى ذات صلة للعلاج الجيني مثل تحرير الجينات .
منذ متى بدأ العلاج الجيني؟ وكيف يتم استخدامها أو توظيفه؟
بدأ العلاج الجيني في أواخر الستينيات، عندما اكتشف العلماء أن هناك جدوى لدمج الوظائف الوراثية الجديدة في خلايا الثدييات، وتم استخدام طرق عديدة مثل حقن الجينات بطريقة مباشرة في خلية حية، ويحدث ترسيب للحمض النووي للجينات المطلوبة، ولكن أشهر طريقة للعلاج الجيني ومازالت تستخدم حتى الآن هي استخدام الفيروس حيث يمكن استخدامه كوسيلة ناقلة لتوصيل الجينات إلى الخلايا.
وتعد “لورين كراوس” من جامعة مسيسبي في أمريكا هي أول من عمل في الدمج المباشر للحمض النووي في خلايا الثدييات في١٩٦١، حيث تمكنت من تعديل الهيموجلوبين في الخلايا وراثياً من نخاع العظم مأخوذ من مريض مصاب بفقر الدم المنجلي، وبعد سبع سنوات جاء عالم آخر وكان يعمل في المعاهد البريطانية في أمريكا وعمل علي تصحيح الطريقة التي قدمتها لورين، أي تصحيح العيوب الجينية المرتبطة بمتلازمة “ليشنيهن” وهو مرض عصبي عن طريق إضافة الحمض النووي الغريب للخلايا المزروعة التي تم جمعها من المرضى الذين يعانون من هذا المرض، لكن أول بشر تلقى العلاج الجيني كان لأُختين من ألمانيا الغربية في ١٩٧٠، كانتا تعانيان من فرط أرجانينين الدم وهو اضطراب وراثي نادر جداً يمنع إنتاج الأرجانيز (هو إنزيم يساعد علي منع تراكم الأرجانيين في سوائل الجسم) وتراكم الأرجانيز يسبب تلفًا في المخ والصرع ومشاكل عصبية وعضلية، وتم حقن الُأختين بفيروس أرنب يحفظ إنتاج الأرجانيز، ونجحت هذه التجربة، وهذا كانت أول مرة للبشر أن يتلقوا علاجا جينيا عن طريق نقل فيروس من أرنب لعلاج هذا المرض في سنة ١٩٧٠.
لكن ظهرت الهندسة الوراثية في أوائل السبعينيات وفتحت الطريق للعلاج الجيني، وقدمت وسائل كثيرة لاستنساخ جينات مرضية في المعمل، وبدأوا في عمل وسائل فعالة لنقل الجينات، وتم تسليط الضوء علي إمكانيات التكنولوجيا في العلاج الجيني، وكانت لأول مرة لإثنين علماء من أمريكا سنة ١٩٧٢، ونشرا مقالا مشهورا في مجلة science، يشير إلى إمكانية استخدام فيروسات الأورام المعدلة وراثياً لنقل المعلومات الجينية لعلاج الاضطرابات الوراثية لدى المرضى.
ما الفرق بين التعديل الجيني والعلاج الجيني؟
في الحقيقة هناك خلط كبير بين التحرير الجيني والعلاج الجيني، التحرير الجيني ( Gene Editing) هي عملية قص جين وربطه بجين جديد وهي طريقة CRISPR/CAS9 أو المقص الجيني، وهو نوع يندرج تحت العلاج الجيني ولكن هي مختلفة عنه، لأن الأمر كله يعتمد على كيفية عمل الجينات وكيف يمكن لتغيرات الجينات أن تؤثر على صحتنا، لذلك الباحثون في جميع أنحاء العالم يدرسون الجوانب المختلفة للعلاج الجيني وتحرير الجينات.
ما هي الأمراض التي تم علاجها عن طريق العلاج الجيني؟
حديثاً من الأمراض التي تم علاجها بالعلاج الجيني مثل الأمراض الوراثية كالهيموفيليا ومرض فقر الدم المنجلي والاضطرابات المكتسبة مثل سرطان الدم، وهناك أيضاً العديد من الدراسات عن العلاج الجيني للأمراض وليس شرطاً أن تكون الأمراض الوراثية، ولكن أيضاً أمراض مثل السرطان والأمراض المعدية أيضاً يتم معالجتها عن طريق العلاج الجيني مثل خلايا (كارتي) وهذا التكنيك يتم استخدامه في علاج السرطان عن طريق تغير جينات الجهاز المناعي .
ما هي أشكال العلاج الجيني؟
تتضمن هذه الأشكال إدخال نسخة من حين جديد أو تعديل جين موجود، أو تعطيل جين موجود، أو تصحيح طفرة جينية، وهذا يتم عن طريق ناقل من فيروس معدل وراثياً، بحيث عندما يدخل الجسم لا يكون نشطًا، لكن ينقل فقط المادة الوراثية أو الجين اللازم، وهناك أنواع كثيرة جداً من هذه النواقل الفيروسية أهمها “أدينوڤايريل” و “لانتي ڤايريل ڤيكتور” نستخدمه مع الخلايا التي لا تتكاثر بسرعة مثل الخلايا العصبية أو الشبكية الموجودة في العين، لكن بالرغم من أنها تستطيع أن تحمل عددا كبيرا من الجينات إلا أنها تمثل بعض المشكلات في السلامة لأنه يصعب التنبؤ بأي نوع من الجينيوم تندمج، لهذا السبب يتم نشر الناقلات الفيروسية في التغيير الجيني للخلايا المستخرجة من المرضى، لكن ظهر ما يعرف CRISPR CAS9 أي المقص الجيني أو التحرير الجيني، وهذا يدخل على الجينوم البشري ويقص الجين المعيوب ويدخل الجين اللازم مكانه، وهذه أكثر تقنية دقيقة لتعديل الجينات وكان أول استخدام لها للعلاج في ٢٠١٦ عن طريق مجموعة من العلماء الصينيين كان يقودهم عالم أورام مشهور جداً، وكانوا يحاولون إيجاد علاج لمرضى السرطان من خلال استخدام المقص الجيني لتعطيل جين معين وهو ينتج بروتين يسمي BD1 وهو يساعد على عدم تعرف الخلايا المناعية على السرطان، فإذا استطعنا تعطيل الجين الذي ينتج الBD1 يمكن أن تتعرف الخلايا المناعية على السرطان.
ما هي مشكلات وتحديات العلاج الجيني؟
هو علاج جديد وخاصة المقص الجيني أو CRISPR CAS9، بالرغم من أنه حقق تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة وتطور أكثر، ولكن هناك تخوفات كثيرة تشمل السلامة والصحة، فإذا قارنا بين العلاج الجيني والعلاج عن طريق أدوية الجزيئات الصغيرة أو المنتجات البيولوجية الأخرى سنجد أننا لو استخدمنا العلاج الجيني لا نستطيع وقف العلاج لأنه يدخل ويحدث تكامل في جسم الإنسان ويصعب تغييره، لكن العلاجات الأخرى نستطيع وقفها، ولأنه مازال علاجا جديدا يكون صعبا أن نعرف مدى كفاءته حيث نحتاج سنوات كثيرة حتى نري تأثير العلاج الجيني، وأعتقد أن أكبر مشكلة للعلاج الجيني سعره المرتفع جداً.
ما أبرز محاذير هذا النوع من العلاج؟
المحظور في العلاج الجيني أن يحدث في الأجنة، مثل أن تقوم امرأة بعمل تعديل جيني للجنين وتجعله بمواصفات معينة، وهذا إجراء غير أخلاقي ومازال محظورا في كل الدول، ولكن هناك عالم صيني أجرى تعديلا جينيا على جنينين في ٢٠١٨ وأعلن ولادة توأم معدل جينياً، وصدر ضده حكم بالسجن ٣ سنوات لأنه أجرى تجارب لإجراء أول أجنة معدلة جينياً، حيث قام بإجراء تجارب على أجنة بشرية وكان يريد أن يحمي الأجنة من الإصابة بمرض نقص المناعة البشرية (الأيدز). والتعديل الجيني (Gene editing) بصفة عامة بدأ في اوائل التسعينيات وكان له أشكال عديدة مثل “الكرسبير” وكانت مرتبطة بكيفية تحرير الجينوم عن طريق استخدام النيوكليزات المهندسة، من خلال هندسة جينية للخلايا، حتى تستطيع التغيير في الخلايا.
هل يمكن أن يتم تطبيق التعديل الجيني في المستقبل؟ وهل يمكن أن يكون له مستقبل لعلاج الأمراض مثل السرطان؟
تم تطبيق التعديل الجيني لأول مرة على الإنسان على ٣ مرضى سرطان سنة ٢٠٢٠ وتمت الموافقة عليه، نعم موجود حالياً ويطبق ويمكن أن يساعد على علاج السرطان باستخدام CAR-T ، وهو غير مقتصر فقط على الإنسان، يتم تطبيقه علي الحيوانات أيضاً، حيث قامت جامعة (إدنبره) في أسكتلندا في المملكة المتحدة بتصميم خنازير مقاومة للفيروسات، وهي من وجهه نظري مهمتها الأساسية في الغذاء حيث يمكن أن نقوم بعمل تعديل جيني للنباتات بحيث يكون إنتاجها أكبر لحل مشاكل الغذاء، وبالفعل كانت هناك تجربة مماثلة على الطماطم وقد أنتجت بطريقة وفيرة بناء علي التحرير الجيني في اليابان وتمت الموافقة على هذه الطريقة، وحديثاً في سنة ٢٠٢١، قالت إنجلتر إنها ستزيل كل القيود على النباتات والحيوانات المعدلة وراثياً ووضعت قواعد تنظيمية أكثر توافقًا مع الاتحاد الأوروبي، حتى نعمل على إجراء التعديل الجيني على النباتات والحيوانات حتى استطاعت في سنة ٢٠٢١ إظهار نوع آخر من المقص الجيني ليستطيعوا من خلاله إجراء عمليات التعديل الجيني .
وكانت إنجلترا أول دولة تزيل القيود عن استخدام التعديل الجيني، وأول دولة تعلن عن طريق هيئة تنظيم الأدوية في المملكة المتحدة عن دواء يستخدم المقص التعديل الجيني CRISPR CAS9 كعلاج للأمراض وهذا يمثل نقطة مهمة في مجال التكنولوجيا الحيوية، وهذا يسمي (كاسكي ڤي)، وهو يعالج أمراض الدم مثل فقر الدم المنجلي، وحدث هذا في نوفمبر ٢٠٢٣ حيث كانت أول مرة يُعلن عن موافقة للعلاج عن طريق CRISPR .
ما هي الأمراض التي يمكن أن يعالجها التعديل الجيني؟
هناك أمراض كثيرة يساعد المقص الجيني على علاجها أو الوقاية منها مثل السرطانات المختلفة وأمراض القلب والأمراض العقلية وعدوى نقص المناعة البشرية (الإيدز)، كل هذا يفتح الباب أمام إيجاد علاج للأمراض في المستقبل، ولكن هناك مخاوف أخلاقية من استخدام تحرير الجينوم بتقنية المقص الجيني، ويمكن أن تقتصر على الخلايا الجسدية وليست البويضات أو الأجنة، بمعنى أنه يمكن أن تعديل الجسم ولكن المخاوف أن يتم التعديل على الأجنة بحيث نصمم أطفالا بمواصفات مثالية، يجب أن يكون هذا الإجراء محكومًا بضوابط أخلاقية .
هل سينتشر استخدام التعديل الجيني في المستقبل؟
أعتقد في المستقبل سيكون هناك تعديل جيني ولكن بضوابط أخلاقية وصارمة ولكن سوف يتم بعد التأكد من سلامته وإجراء تطورات كثيرة وسيطبق التحرير الجيني على البشر، وهذا التطوير أخذ صاحبه جائزة نوبل في الكيمياء سنة ٢٠٢٠، وكانت الدكتور جينيفر دودنا إحدى الحاصلات عليها، وتحدثت عن مخاوف التعديل الجيني في المستقبل على البشر للاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية التي تنتج عن التغير المباشر للجينوم البشري أو التعديل الجيني، لأنه في المستقبل الأغنياء سيصممون أطفالهم أصحاء وأقوياء وبصفات مثالية مثل نسب الذكاء المرتفعة وهذا سيخلق تمييزا كبيرا بين البشر مما ينتج عنه عواقب كثيرة على المجتمعات.
ماذا عن مصير التوأم الذي خضع لعملية تعديل وراثي في الصين؟
حتى الآن لا توجد علامات واضحة على الأطفال تؤكد نجاح العملية، لأن هذه العملية أجريت في ٢٠١٩ وهي تحتاج إلى وقت طويل حتى يظهر تأثيرها بوضوح، ولكن لا يمكن تحديد إذا كانت العملية ناجحة أم لا في الوقت الحالي.
ما هو التعريف العلمى لعلم الجينوم؟
هو أحد فروع علم الوراثة، يهتم بدراسة كامل المادة الوراثية (DNA) داخل الكائنات الحية، فالجينوم يقوم بدراسة التسلسل الوراثى للجينات المكونة للخلية البشرية؛ لاكتشاف أى خللٍ بها.
وتوضيحا لذلك؛ فجسم الإنسان يحتوى بداخله على أعضاءٍ والتى تحتوى على أنسجةٍ، وبداخل الأنسجة خلايا، تلك الخلايا تحتوى بداخلها النواة (مركز تحكم الخلية)، فيوجد الجينوم داخل النواة، فهو عبارة عن شريط DNA الذى يحمل كل المادة الوراثية.
ما هو بحثك العلمى الذي يعد الأفضل فى عام 2020 بعلوم الجينوم؟
تمكنت بمشاركة فريق بحثى من بناء ميكروسكوب ضوئي عالي الدقة والوضوح، هذا الميكروسكوب الضوئي يصل إلى مقياس النانومتر، ويتيح ولأول مرة رؤية DNA داخل الخلايا البشرية الحية، حيث تم تطوير هذه التقنية بدمج الميكروسكوب الضوئى الفلوريسينى بإحدى طرق الذكاء الاصطناعى، لفحص الخلايا البشرية الحية، ومعرفة تفاصيل حركه الجينوم الخاص، حيث إنها ستقود مستقبلا لدراسة إمكانية إصابة الخلايا الحية السليمة بالمرض عبر تركيبتها الوراثية.
وقبل هذا البحث، كان يقتصر تصوير الجينوم على الخلايا الميتة، التى أعاقت مراقبة الجينوم وهو يعمل، وكانت هناك عقبات تقنية يجب معالجتها لدراسة ديناميات وبنية الجينوم بأكمله فى الخلايا الحية، ومن هنا قدم هذا البحث تقنية جديدة تغلبت على العوائق التقنية لمشاهدة الجينوم فى الخلايا البشرية، كما استطعنا عمل نموذج رياضى يستطيع تحليل كل التفاصيل والخواص الفيزيائية للجينوم بدقة النانومتر داخل الخلية الواحدة، مما يجعلها تميز الاختلافات داخل الخلية الواحدة على مستوى الجين الواحد.
ماذا عن أبحاثك الحالية وآخر ما توصلت إليه؟
نعمل فى مركز علم الأورام الدقيق التابع لمركز أبحاث السرطان فى أجورا بمدينة لوزان، على مشروع يهدف إلى تحليل السمات الجينية التى تصف التنظيم المكانى للخلايا السرطانية والمناعية الرئيسية فى الورم من خلال دراسة الجينوم وتنظيم انتشار الخلايا المناعية، ونهدف أيضا لتحديد مؤشرات حيوية للمرضى المعالجين بالعلاج المناعى لزيادة نسبة الاستجابة بهذا العلاج، عن طريق تحليل الصور الممسوحة ضوئيًا لعينات الأورام المأخوذة من المرضى، بحيث يتم صبغ جينوم الخلايا السرطانية والمناعية بوضع علامات على الحمض النووى وأيضا على المستقبلات التى يتم إنتاجها بواسطة جميع الخلايا التائية، ثم باستخدام خوارزميات التعلم الآلى لاستخراج ميزات محددة لتنظيم الجينوم والتنظيم المكانى للخلية، ويتم بعد ذلك إدخال هذه الميزات المحسوبة فى مصنف التعلم الآلى لربطها بالنتائج السريرية.
ونستخدم تكنولوجيا جديدة فى تحديد نوع الدواء لكل مريض، وهى عبارة عن زراعه أنسجة من الورم لينمو مثل العضو المصاب فى المعمل، فى ظروف مشابهه للجسم، واختبار الورم لتحديد أنسب علاج، وهذا جزء مهم فى الطب الدقيق، ومن المتوقع أن يساعد استخدام هذه الأنواع من التحاليل واكتشاف مؤشرات حيوية جديدة للتنبؤ بفاعلية العلاج المناعي، وستكون لهذا المشروع آثار مباشرة للمرضى فى المستقبل، من خلال مساعدة الأطباء على اختيار العلاج المناسب للمريض.
ما هو دور الهندسة الوراثية في علاج مرض الشيخوخة؟ وهل يمكننا في المستقبل القضاء على الخلايا الشائخة نهائياً؟
مع تقدم العمر تتراكم الخلايا الشائخة في أجسامنا، وتعتبر هذه الخلايا فريدة من نوعها، حيث أنها تتوقف في النهاية عن التكاثر ولكنها لا تموت، وتصبح خلايا “شائخة” لذلك يطلق عليها “الخلايا الزومبي”، وبدلاً من موتها، فإنها تبقى وتستمر في إطلاق المواد الكيميائية التي تؤدي إلى الالتهاب، وبدورها تساهم في تطور أمراض مثل الشيخوخة والأمراض المرتبطة بالعمر، بما في ذلك السرطان، وأمراض أخرى.
والتجاعيد الذي تحدث في الجلد تكون بسبب الخلايا الشائخة وهي الخلايا المعروفة بالخلايا الزومبي، وقد تم إجراء تجارب على الفئران، وأمكن فيها معالجة الخلايا الشائخة، وأثبتت فاعليتها، حيث تجدد عمل البنكرياس وأعاد الضخ بشكل حيوي تمامًا.
وهناك سببان للشيخوخة أبرزها هو العمر، والتكاثر المتتالي للخلايا خلال العمر، بما يؤدي لتغيير داخل جسم الإنسان، بجانب المؤثرات الخارجية مثل نشاط الجينيات المسببة للأورام، وأسباب كثيرة أخرى لا علاقة لها بالعمر، بينها نشاط الخلايا المسببة للأورام، وتلف المادة الوراثية (DNA)، التوتر، والضغوط والتدخين، حيث تؤدي لتلف الخلايات ودخولها لمرحلة الشيخوخة.
وتم تطوير تقنيات لتصوير كامل الجينوم لدراسة التغيرات الجينية في الخلايا البشرية الحية، وهذه التقنيات سوف تجيب على أسئلة كثيرة متعلقة بإعادة تنظيم الجينوم للخروج من الشيخوخة.
ومن المتوقع خلال 10 سنوات قادمة التوصل لأقراص قادرة على تجديد الخلايا الشائخة، وإعادة عملها بكفاءة أفضل، وتتلاشى مسببات الموت المرضية، والله سبحانه وتعالي سخر العلم، وهناك فارق بين الهرم والشيخوخة.
ما هو دور التكنولوجيا الحديثة فى التشخيص المبكر للسرطان؟
التشخيص الصحيح هو نصف العلاج للقيام بالعلاج الصحيح واستخدام التكنولوجيا الحديثة للقيام بالتحاليل هى شروط أساسية للحصول على التشخيص الأدق للمرض، والتطورات التى أضافتها الأبحاث فى أساليب التصوير سهلت بشكل كبير تشخيص المصابين بالأورام فى تقييم انتشار السرطان وتحديد طريقة العلاج والاكتشاف المبكر واستجابة للعلاج من الأمراض المتكررة.
ما الكيفية التى ستؤدي بها التطورات التكنولوجية خاصة «الذكاء الاصطناعى» إلى تشكيل مستقبل رعاية مرضى السرطان؟
الذكاء الاصطناعي جزء أصيل من العمل الذى أقوم به أنا والعديد من الباحثين فى مجال السرطان، وسيكون له دور محورى فى مستقبل علاج الأمراض المستعصية، ويعمل الذكاء الاصطناعى على إعادة تشكيل قطاع الرعاية الصحية فى العالم بالكامل، وسيساعد فى اكتشاف المشاكل الصحية مقدما، وتشخيص الحالات، كما ستؤدى الأبحاث المدعومة بالذكاء الاصطناعى إلى تطوير علاجات وأدوية جديدة للأمراض بشكل أسرع .
كيف تحول مسارك البحثي من تطوير الميكروسكوب الضوئي إلى دراسة خلايا الأورام؟
كان لدي تحدٍ كبير، فبعد أن حصلت على الدكتوراه التقيت بالعالم الأمريكى وليام مورنر الفائز بجائزة نوبل ونصحني بأن أستفيد من خبراتي فى الصناعة والبحوث الطبية، وعلى ذلك قررت توظيف هذه المعرفة فى مجال بحوث السرطان. هذا الأمر كان بمثابة نقلة نوعية بالنسبة لي من بحوث الفوتونات والضوء والليزر إلى توظيف تلك التقنيات لفهم العوامل التى تحدد مسار الخلايا وما الذى يجعلها تكون خلايا سرطانية أو حتى الدوافع التى تجعل خلايا أولية جذعية تتطور لتتحول إلى خلايا الأعضاء المختلفة بالجسم.
لذلك تطلب الأمر أن أتعلم مبادئ الهندسة الوراثية، والتحديات التى يفكر فيها الباحثون المتخصصون فى البيولوجيا الجزيئية وبحوث السرطان. وحتى أرى بالميكروسكوب تفاعل البروتينات داخل الخلية لحظيا، كان على أن ابتكر الأدوات والوسائل المساعدة لرصد البروتينات لحظيا وتحليل مسار تفاعلها وتصويرها. كل تلك التحديات درستها بالتوازي على مدى 5 سنوات، كما استكملت الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وجامعة تولوز فرنسا وجامعتى أكسفورد وهارفارد إلى أن تمكنت من الوصول إلى التصميم المتكامل للميكروسكوب الذى يمكنه المتابعة اللحظية للجزيئات داخل الخلية. ولعل من أهم الاكتشافات التى استطعنا التوصل لها هى معرفة أن للخلايا السرطانية بصمة خاصة على مستوى تجمع الكروموسومات وتكون الشريط الوراثى وهى مختلفة عما يتم بالخلايا السليمة. أما الأمر الثانى الذى نجحنا فى رصده باستخدام الميكروسكوب فكان تتبع مراحل التعبير الجينى أى قيام الجينات بإنتاج بروتينات لمهام محددة على مستوى الخلية. وبالتالى أي خلل فى هذه المرحلة ينتج عنه بروتين مشوه هو بمثابة مؤشر لمرض الخلية.
ما هى الأبحاث التى تركز عليها فى الوقت الراهن؟
حاليا ادير مشروعا بحثيا بتمويل من المعهد السويسرى لأبحاث السرطان، حيث نقوم بتحليل ملايين الخلايا لكل مريض باستخدام ميكروسكوب التصوير الضوئى والذكاء الاصطناعى لمعرفة الخلايا السرطانية، وهى تقنية بسيطة وغير مكلفة مقارنة بقراءة التسلسل الجينى لكل مريض. إضافة لذلك يمكننا معرفة مرحلة تطور الورم ومدى استجابة الجسم للعلاج المناعي. تلك النتائج التى نوفرها نقوم بتحليلها اعتمادا على الذكاء الاصطناعي لرصد الحالات الأكثر استجابة للعلاج المناعي مما يساعد الطبيب فى تحديد المسار العلاجي الأفضل لكل مريض، نحن نعلم جيدا أن تفاعل الخلايا السرطانية مع العلاج داخل الجسم البشري يختلف تماما عما يحدث إذا أخذنا خلايا مصابة، لذلك نقوم حاليا باستخدام الهندسة الحيوية والهندسة الوراثية بتصميم نموذج محاكاة للعضو المصاب (Tumoroids) وذلك بأخذ عينات خلايا سليمة ومصابة من جسم المريض وإكثارها معمليا لتكون العضو بنفس نسب الإصابة فى خلاياه. ذلك التوجه الذى يشارك فيه فرق متعددة التخصصات يسهم فى رصد التفاعلات بين الأدوية والجينوم داخل الخلايا المريضة.