الدكتور بهي الدين عرجون هو واحد من ألمع العلماء المصريين في مجال علوم الفضاء، حيث شغل منصب أستاذ ديناميكا المركبات الفضائية والطيران بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ومدير برنامج الفضاء المصري السابق، ولهذا يُطلق عليه لقب “أبو الفضاء المصري” وعلى مدار ٢٠عاما مضت، ساهم بدراساته وأبحاثه ومقالاته في إنارة الطريق لمشروع الفضاء المصري.. لهذا قررت تليسكوب أن تلقي الضوء على جانب من مسيرته العلمية فضلا عن الاستفادة من خبراته لمعرفة آخر ما وصل إليه العلم في هذا المجال، والحقيقة أنه لم يتردد في إعطائنا موعد للقاء، حيث دار الحوار في مكتبه.
كيف ترى مستقبل غزو البشر للفضاء.. وهل يمكن أن يتحقق حلم استعمار الكواكب الأخرى بحلول 2050؟
لكن الخلاصة أن إنشاء نظم حیاة بشریة مستدامة علی کوکب آخر یحتاج مجهودات علمیة وتکنولوجیة لا تزال بعیدة جدا عن متناول إنسان القرن الحادی والعشرین. وجزء کبیر من هذا الموضوع فی الوقت الحالی یدخل فی نطاق الخیال العلمی أکثر من دخوله فی نطاق العلم. ولو أردنا تفاصیل أکثر عن الانتقال إلی الحیاة علی کوکب آخر یمکن مشاهدة فیلم مشهور اسمه “أودیسا الفضاء 2001” وکان متصورا فیه أن الإنسان يستطيع توفیر وساٸل العیش والانتقال والاتصال بالكواكب الأخرى بحلول بدایات القرن الحالي ۔ لکن نحن داخلون علی الربع الثانی من القرن ولا زلنا بعیدين جدا.
في اعتقادك ما هي الفوائد التي ستعود على البشرية من غزو الفضاء؟ ولماذا تدخل الكثير من الدول الكبرى في هذا السباق المحموم؟
الفوائد ستعود على البشریة بأكملها، والمستفيد الأكبر هي الدول الکبری التی تحملت مسٸولیة ابتکار التکنولوجیات الجدیدة والتکلفة الباهظة للخروج من الأرض إلی الفضاء. أما الدول النامیة فلا تزال تسأل: ما أهمیة الفضاء لنا؟ وهل هناك أولویة للفضاء ونحن مشغولون برغیف العیش وسعر الکهرباء وما إلی ذلك.
وسوف ألخص الفواٸد والعاٸد العلمی والبشری للإنسانیة من اقتحام الفضاء کالآتی:
1- إمکانیة إدارة موارد الأرض بکفاءة من الفضاء.
2- زیادة استغلال موارد الأرض مثل المیاه والغابات واستصلاح وزراعة الصحاری والموارد المعدنیة وغیر ذلك کثیرا۔ وهذا یتم عن طریق أقمار الاستشعار عن بعد، والتی تجوب المدارات حول الأرض وتصور وترصد کافة التغیرات علیها فی کل ثانیة تقریبًا.
3- توسیع نطاق الاتصالات علی مستوی الکرة الأرضیة، وهو ما یُطلق علیه “أن العالم أصبح قریة صغیرة، وهذا من نتاٸج استخدام الفضاء وطفرة تکنولوجیا الاتصال والمعلومات”.
4- المتابعة والسیطرة علی تأثیرات التغیرات المناخیة وهذا یتم من الفضاء وعن طریق أقمار مناخیة عملاقة.
5- استکشاف الفضاء الخارجی والکواکب والفضاء البعید بما فی ذلك خارج المجموعة الشمسیة وزیادة معرفتنا کبشر بالکون حولنا ولم یکن ذلك ممکنا لولا خروج الأقمار الصناعیة من مجال الجاذبیة الأرضیة.
6- استکشاف إمکانیة استغلال الموارد الفضاٸیة مثل الطاقة والمعادن النادرة تحسبًا لنضوب الموارد الأرضیة.
أما بالنسبة للدول الکبری فی مجال الفضاء وهی الولایات المتحدة والصین وروسیا وهی الدول الأکبر فی هذا المجال حالیا وتلیها ثلاث أو أربع دول أخری، فإن اهتمامها الرٸیسي من متابعتها للفضاء فهو المسارعة إلی الاستفادة من الموارد التی یتیحها هذا المجال حالیًا أو مستقبلا قبل غیرها.
والفاٸدة الثانیة التی تعود علی الدول الثلاث الکبری هو التنافس العسکری فی الفضاء واستخدام الفضاء للأغراض العسکریة ومنها مراقبة العالم من الخارج.
أما الفوائد بالنسبة للدول النامیة أو الناهضة فتتمثل في ثلاثة محاور:
1- الاستفادة مما تتیحه تکنولوجیا الفضاء فی مجالات الاستشعار ومسح الموارد والاتصالات.
2- مواکبة العالم فی التطور التکنولوجی حتی لا نفاجٸ بتکنولوجیات لا نعلم عنها شیٸا.
3- إدخال تکنولوجیات الفضاء لتحدیث ورفع مستوی الصناعة المصریة.
4- رفع مستوی التعلیم عن طریق إدخال تکنولوجیات الفضاء فی الفصل (مثال التعلیم عن بعد للمناطق الناٸیة) وإدخال علوم الفضاء فی المناهج.
ما المعوقات التي لا تزال تحول دون انتقال وإقامة البشر على كوكب المريخ؟
البشر لم يصلوا أصلا إلی المریخ حتى الآن، كلها مركبات غير مأهولة، لأن المشوار إلى المریخ يستغرق على الأقل 7 أشهر، ثم من المفترض أن يمكث رواد الفضاء هناك نحو شهرين، فهل في قدرة أي إنسان أن يظل داخل كبسولة لمدة 9 أشهر؟ لذلك أقول: لسه بدري!
القمر.. هل يمكن أن يكون مقرًا لأي نشاط بشري عمراني خلال هذا القرن؟
الوصول إلی القمر أسهل كثيرًا حیث یستغرق ثلاثة أیام فقط، وقد تم الهبوط علیه والمشي علی سطحه کما نعرف فی یولیو من عام 1969 أي منذ حوالي 53 عاما ونصف، وکانت تلك رحلة أبوللو 11 الأمریکیة، ولکن لم تعد أمریکا إلی القمر بعد برنامج أبوللو للهبوط علی القمر الذی انتهی فی عام 1972، وقد أعلنت ناسا أنها ستعود للهبوط علی القمر ببرنامج جدید فی عام 2035. وقد یکون ذلك بدایة استیطان الإنسان للقمر والحیاة علیه لمدد طویلة نسبیا.
كيف يمكن إنقاذ الأرض من التهديدات والمخاطر المحتملة بدلًا من العيش على كواكب أخرى؟
معظم ما یحدث علی الأرض من تغیرات وکوارث غالبًا هي من صنع الإنسان والحضارة الصناعیة التي صنعها فمثلا ما یحدث علی الأرض من مشكلات يمكن حصرها فيما يلي:
1- الاحتباس الحراري، وما یٶدي إلیه من تغیر المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
2- الفیضانات.
3- ذوبان الجلید وارتفاع منسوب المیاه وغرق الشواطيء والدلتا فی العدید من الدول.
4- قطع الأشجار ونقص الأکسجین فی الجو نتیجة لذلك وحدوث التصحر.
5- تجریف التربة فی المناجم المفتوحة بما یجعل المناطق غیر صالحة للحیاة وتغطی مساحات شاسعة منها طبقة من ذرات الفحم.
6- تلوث البیٸة التنفسیة بغبار الأسمنت الذی یٶدی الی تحجر الرٸة وکذلك تراب الفحم الذی یتصاعد من بعض المصانع غیر المجهزة بفلاتر.
7- نفاد الوقود الأحفوری (النفط) الذی هو المصدر الرٸیسی للطاقة علی الأرض.
8- الحروب والدمار الذی تخلفه وتدمر مناطق بأکملها.
کل هذه هی مشاکلنا علی کوکب الأرض، فنحن نفسد کوکبنا بأنفسنا.
وأما حلها فیکون بتطبیق وساٸل العلم والتکنولوجیا لکل مشکلة علی حدة. فمثلا المشكلة رقم 7 یتم حلها بالتحول إلی الطاقة الشمسیة وطاقة الریاح وهکذا.
وبالتالی نستغني عن استیطان وتعمیر الکواکب الأخری لنعیش علیها.
كيف ستتطور رحلات رواد الفضاء بحلول عام 2050 ؟
عام 2050 قریب جدا بالنسبة لتطور نشاط استکشاف الفضاء۔ وأتوقع أن یستمر التطور فی نفس خطه الحالی مع بعض التغير فی التکنولوجیات وبعض الاکتشافات الجدیدة خارج المجموعة الشمسیة.
هل تم تأسيس مستوطنات على الكواكب الأخرى بالفعل؟ وما هي الكواكب الأقرب لتطبيق هذه الفكرة؟
الإجابة المختصرة: لا لم یتم تأسیس مستوطنات علی أي کوکب ولا حتی مشروع إنشاء مستوطنات ولا زالت البشریة بعیدةعن هذا الحلم. وبالنسبة للقمر الذي هو لیس کوکبا بل تابع لکوکب الأرض فمن الممکن علمیا الوصول إلی إنشاء مستوطنات علیه بعد نصف قرن من العمل الجاد والمتواصل والبحث العلمی وتطویر التکنولوجیات للعیش فی الفضاء.
هل تتوقع أن يكتشف البشر كواكب صالحة للعيش خارج مجموعتنا الشمسية في المستقبل القريب ؟
البحث مستمر عن کواکب خارج المجموعة الشمسیة علیها علامات حیاة (الماء والهواء والطاقة) ومن وقت لآخر تلتقط إشارات توحي بإمکانیة وجود کواکب تشبه الأرض فی مناخها وسطحها. إن الإنجاز الرٸیسي للفضاء هو إدارة الأرض ومواردها من الفضاء بتطبیقات وتکنولوجیات الاستشعار من البعد والاتصالات والملاحة والتجارب العلمیة علی متن محطات الفضاء۔ أما استکشاف الفضاء والکواکب القریبة (عطارد والمریخ والزهرة وزحل) فهو لایزال في طور المهام الفضاٸیة الاستکشافیة.
لو كنت رائد فضاء ما الكوكب الذي تحلم بالسفر إليه؟
السٶال لا یوجه لعالم یعرف صعوبات السفر في الفضاء۔ ویمکن توجیهه لإحدی الزمیلات أو عمل استطلاع رأي!
هل يوجد كوكب آخر صالح للعيش غير المريخ؟
لا نعرف .. وحتی المریخ لا نعرف تماما هل هو صالح للعیش أم لا۔ نعم هناك تشابه بینه وبین کوکب الأرض وهناك شواهد علی وجود میاه لکن هذا فی مجموعه بعید جدا عن أن یکون “صالحا للعیش”.
ما هى التكنولوجيا الجديدة التى تم تطويرها لاكتشاف الفضاء للمستقبل؟
سأرد بسؤال: ما هي التکنولوجیات القدیمة التی تعرفونها حتی یمکن استکمال معرفتها بالتکنولوجیات الجدیدة؟!
كيف يمكن الاعتماد على الروبوتات لغزو الفضاء؟
بعض المهام الفضاٸیة إلی القمر والمریخ کان علیها روبوتات تستخدم فی استخراج عینات من الصخور والتربة، وهناك ذراع آلي صمم ونفذ للترکیب علی مکوك الفضاء .